استمرارا في أنشطتها الإشعاعية الهادفة ، وتطبيقا للدبلوماسية العلمية التي تنهجها ، احتضنت كلية أصول الدين يومين دراسيين تحت عنوان " الحوار الديني في الجامعات : تنظيرا وتطبيقا " ، نظمتهما بشراكة مع مركز "سوراك" " دراس الأديان عبر الحضارات " التابع لجامعة جورج تاون بواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك يومي 13و14 يونيو 2017 .
اليوم الأول
الجلسة العلمية الأولى :
تم افتتاح هذين اليومين بجلسة تضمنت كلمة للسيد عميد كلية أصول الدين فضيلة الأستاذ الدكتور محمد التمسماني وكلمة للسيد مدير مركز "سوراك" الدكتور بول هيك .
وفي بداية كلمته رحب السيد العميد بالسيد بول هيك وبالوفد المرافق له ، كما عبر عن شكره وتقديره للسيد " بول هيك "على اهتمامه وحرصه على تفعيل الشراكة بين كلية أصول الدين ومركز "سوراك" .
وعلاقة بعنوان اليومين الدراسيين نبه سعادة العميد إلى أن هذا النشاط يأتي في سياق المرحلة الحرجة والظروف الصعبة التي تمر بها البشرية ،والتي تحتاج الكثير من التبصر والتعقل والتيقظ خاصة من لدن الدارسين والباحثين، وهو فرصة لإبراز بعض جوانب الحوار الديني الذي يعتبر من أبرز مجالات البحث المعاصر.
كما قدم فضيلته بعض معالم الطريق للوصول إلى الهدف المنشود من الحوار المتحدث عنه، هذا الهدف الذي رسمه الله عز وجل في كتابه وهو التعارف " قال الله عز وجل " (يأيها الناس إنا خلقنالكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )، فالحوار الديني يشكل جسرا لتعميق أواصر التفاهم والتعاون بين الأمم وأتباع الديانات المختلفة .
واعتبر السيد العميد أن الجهل بالدين وإقصاءه عن الحياة من الأسباب االمهمة لما تعيشه البشرية من الأزمات ، ذلك أن في القرآن الكريم خبرعن حالنا ومآلنا قال الله عز وجل ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) أي شأنكم وحالكم ووضعكم وماضيكم ومستقبلكم .
لذلك دعا سعادته أرباب الديانات من العلماء والمفكرين والمبدعين إلى ضرورة استعادة صورة الدين الصحيحة في ذواتنا وفي واقعنا .
وتتمة للحديث عن الحوار الديني أكد السيد العميد أن هناك صورا نمطية ومختلفة عن الموضوع بين منكر ومقر به يفسره وفق قناعاته ، لذلك لا بد من تحرير مفهوم الدين وبيان حقيقته، وتفكيك كل الصور النمطية الجامدة التي يحملها كل طرف عن الآخر. فالدين في حقيقة الشرع هو : "الطريقة الإلهية الربانية التي تشمل كل أبناء البشر في كل زمان ومكان ولا تقبل أي تغيير وتحويل أو تبديل مع مرور الزمان وتطور الأجيال " ، والقرآن الكريم لم يذكر لفظ الدين إلا مفردا إشعارا بالوحدة والتعايش والتفاهم والتعاون البناء .
وعن مشروعية حوار الأديان استدل فضيلته بمجموعة من الآيات الداعية للحوار أبرزها قوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ، واعتبر الحوار بين الأديان مطلبا طبيعيا وضرورة إنسانية ، وفريضة شرعية .
وفي ختام كلمته ذكر السيد العميد مجموعة من الخصائص التي تميز الدين وأبرزها اليسر والسماحة والرفق هذه الخصائص وغيرها هي التي تمثل قوة الدين ومتانته.
وبدوره عبر السيد بول هيك في كلمته بسعادته الغامرة بهذه الشراكة التي تم تفعيلها بين كلية أصول الدين ومركز "سوراك" ، واعتبر ذلك فرصة لتمتين أواصر التعاون والتواصل بين المؤسستين .
وأكد السيد بول في كلمته أيضا أن الحوار الديني أصبح ضرورة ملحة ليوضح كل منا صورته الحقيقية للآخر بعيدا عن التضليل الإعلامي و السياسي.
كما أشاد بتجربة كلية أصول الدين و بالجهود التي تبذلها في مجال حوار الأديان ، واعتبرها نموذجا يحتدى به في هذا الجانب.
وأعرب السيد هيك عن استعداد المركز لتنظيم لقاءات وأنشطة علمية بالكلية وبجامعة جورج تاون بواشنطن ووعد بإعداد برنامج حافل بذلك في السنوات المقبلة .
وفي ختام كلمته جدد السيد بول شكره لرئاسة الجامعة ولعمادة كلية أصول الدين لتعاونهما المميز من أجل تفعيل مذكرة تفاهم وشراكة بين المؤسستين ومركز " سوراك".
واختتمت الكلمتان بورقة عن كلية أصول الدين قدمها الطالب الباحث محمد شابو بين من خلالها عناية الكلية بمجال حوار الأديان على مستوى التدريس و البحث العلمي و الشراكات الدولية وعلى مستوى الأنشطة الثقافية والعلمية .
وخلال هذه الجلسة قدم الأستاذ الدكتور مصطفى بوجمعة المشرف على فريق البحث في علوم الاديان ورقة تعريفية عن فريق البحث مذكرا بأعمال الفريق وأهدافه ثم استعرض جملة من الأنشطة والأوراش التي قام بها الفريق . وبعد ذلك عرج للحديث عن واقع البحث في علوم الأديان وآفاقه .
وفي مداخلته تحدث الباحث سعيد النقشي عن مشروع الصحبة العلمية في برنامج " سوراك" ودلالة هذه الصحبة وأبعادها .
الجلسة العلمية الثانية :
افتتحت الجلسة الثانية بمداخلة للأستاذ الدكتور أحمد مونة تطرق فيها لمفهوم الحوار الديني والمقصود به ومجالات إعماله ،وفصل الكلام في ذلك بالشواهد والأمثلة والنصوص العلمية ، كما قدم نقدا لبعض المفاهيم المغلوطة حول الموضوع وعرج على ذكر مجالاته وشروطه وضوابطه.
اما الدكتورة راحيل فريدمان أستاذة بكلية وليامز بالولايات المتحدة الأمريكية فتناولت في مداخلتها الصحبة العلمية بين الأديان والعمل المشترك تجاه الإنصاف وأعطت لذلك نماذج من أمريكا خلال القرن العشرين.
وتحدث الباحث هشام الحليمي عن برنامج الزائر الدولي لحوار الأديان بأمريكا باعتباره أنموذجا للحوار الديني في الدرس الأكاديمي .
وفي ختام هذه الجلسة تحدث الباحث ساسون تشهانوفيتش باحث بجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية عن الصحبة الروحانية بين الإسلام واليهود بمصر في العصور الوسطى وتحدث عن ابراهيم بن ميمون وعلاقته بالتصوف الإسلامي.
الجلسة العلمية الثالثة :
تضمنت هذه الجلسة مداخلة للدكتور يوسف بنلمهدي الذي تطرق لأهمية تعاون أتباع الأديان في تحقيق السلم العالمي، وبيّن أن عنوان مشاركته مقتبس من فقرة من الدستور المغربي تؤكد حرص المغرب على توطيد السلم العالمي، وذلك انسجاما مع تعاليم دين الإسلام واقتباسا من التجربة التاريخية للمجتمع المغربي على مر العصور، وقدم مجموعة من التوصيات التي يمكنها تحرير الخطاب الديني من هيمنة الإيديولوجيات حتى يعود لصفائه ويؤدي دوره على أكمل وجه. وختم بالتأكيد على أن هذا الأمر موكول بالدرجة الأولى للمؤسسات العلمية الرصينة وفي طليعتها كلية أصول الدين العامرة.
تلتها مداخلة للباحث راي كيم باحث بجامعة جورج تاون بواشنطن تناول فيها موضوع البحث عن كلمة سواء بين المسلمين والمسيحيين .
وتم اختتام هذه الجلسة بمداخلة للباحث عدنان التليدي سلط فيها الضوء على دور الإعلام في ترسيخ ثقافة الحوار بين أتباع الأديان المختلفة .
وختمت الجلسة بفتح باب المداخلات للطلبة والباحثين اللذين أبانوا عن تفاعل إيجابي مع الموضوع .
وبهذا النتهت أشغال اليوم الدراسي الأول .
اليوم الدراسي الثاني
جلسة توقيع اتفاقية تفاهم
وافتتح اليوم الثاني من هذا النشاط بجلسة توقيع اتفاقية شراكة وتفاهم حضرها السيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي ونائبه والسيد عميد كلية أصول الدين والسيد مدير مركز "سوراك" وسيرها الأستاذ محمد زين العابدين الحسيني .
وقد وقع هذه المذكرة كل من السيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي الأستاذ الدكتور حذيفة أمزيان عن جامعة عبد المالك السعدي ، و السيد عميد كلية أصول الدين الأستاذ الدكتور محمد التمسماني عن كلية أصول الدين ، والسيد " بول هيك" عن مركز " سوراك " وجامعة جورج تاون .
و تضمنت هذه المذكرة تبادل الخبرات والتعاون في الجوانب المشتركة بين هذه المؤسسات في مجال حوار الأديان، و العمل على ترجمة المنشورات وتبادل الزيارات ،وتنظيم دورات علمية متخصصة مشتركة، والعزم على تطوير الشراكة وتوسيع بنودها .وفي ختام التوقيع تم تبادل الهدايا والدروع .
الجلسة العلمية الرابعة (الختامية)
وفي الجلسة الختامية التي ترأسها الأستاذ الدكتور الأمين اقريوار نائب عميد كلية أصول الدين تطرق الاستاذ الدكتور أحمد الفراك لمفهوم الدين في المعاجم الللغوية والفلسفية وعرج على الحديث عن المشترك الديني بين الرسالات السماوية التي تعتبر في أصلها دينا واحدا تنبئ عن حكمة ربانية تقوم على الوحدة والانسجام . فالدين الذي ارتضاه الله للبشرية هو دين الأنبياء جميعا من غير استثناء لأحد منهم .
واعتبر الدكتور الفراك أن هناك قناعة عامة بضرورة الرجوع إلى الأصول الكبرى التي تتقاسمها الرسالات السماوية، ومن صور هذه القناعة في العصر الحديث النداء المتكرر بالأخلاق العالمية، كما ذكر في ختام مداخلته بمقاصد المشترك الديني ومنها : مقصد معرفي ينطلق من معرفة الله ومقصد عمراني محوره الصلاح والإصلاح في الأرض ومنه تتوزع مقاصد فرعية مثل مقصد سيادة العلم ومقصد حفظ البيئة ومقصد تربية الإنسان وغيرها.
وتحدثت السيدة راحيل فريدمان في المداخلة الثانية نيابة عن الباحثة لورا طامسان باحثة بجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية عن اللقاء بين السلطان مالك الكامل والقديس فرانسيس الأسيزي ومآلات ذلك اللقاء.
واختتمت هذه الجلسة بمداخلة للباحثة هديل جرادة باحثة بجامعة هارفرد تحدثت من خلالها عن الموسيقى باعتبارها وسيلة لتكوين الصداقة بين الأديان المختلفة.
وختم النشاط بكلمة للسيد عميد كلية أصول الدين ومدير مركز"سوراك" وتم بعد ذلك توزيع الشواهد على المشاركين في اليومين الدراسين من أساتذة وباحثين .